تحقيقات وحوارات

الأحد - 09 سبتمبر 2018 - الساعة 08:51 م بتوقيت اليمن ،،،

عدن برس / تقرير خاص

إجتاحت مدن ومحافظات الجنوب، مؤخراً، إنتفاضة شعبية عارمة رافقها عصيان مدني شامل وإغلاق كافة المحلات التجارية والبنوك والمؤسسات والمرافق الحكومية والخاصة أبوابها، تنديداً بفساد حكومة بن دغر التي أدت الى تدهور الإقتصاد الوطني وإنهيار غير مسبوق في القيمة الشرائية للعملة المحلية.

كما جاءت تلك الإنتفاضة الكبرى تلبية لدعوة أطلقها المجلس الإنتقالي الجنوبي الذي أصدر بياناً شديد اللهجة حذر فيه من تهميش أو إقصاء الجنوبيين من أي مفاوضات قادمة، فضلاً عن تحذيره من المساس بالمتظاهرين، وإعلان تأييده وتبنيه لمطالبهم العادلة.

أسباب الإنتفاضة

لم تكن أسباب الإنتفاضة الشعبية وليدة اللحظة أو مقرونة بإستبعاد المجلس الإنتقالي من مشاورات جنيف 3، بل تعود لمجموعة أسباب متراكمة وإرهاصات عديدة أدت الى غليان شعبي في عدن وإتسع لاحقاً الى باقي المحافظات الجنوبية.

لعل أهم تلك الأسباب يعود الى الفساد المستشري في الحكومة التي إستخدمت سياسات التجويع والإفقار والإذلال للجنوبيين، وحرمتهم من أبسط مقومات الحياة الكريمة في محافظاتهم منذ تحريرها في العام 2015 من الغزو الحوثي آنذاك.

ويرى محللون وناشطون سياسيون أن الحكومة الحالية دأبت على إطلاق الوعود الكاذبة والشعارات البراقة لتلميع صورتها أمام الداخل والخارج، لكن بالمقابل كانت أفعالها وسياساتها بعكس ذلك، إذ كشفت ممارساتها المعززة في كثير من الأحيان بوثائق وأدلة دامغة، زيف إدعاءاتها ووعودها لا سيما فيما يتعلق بالخدمات الضرورية وعرقلة الكثير من المشاريع التي تدعمها دول في التحالف العربي، وإستنزافها الضخم للمال العام والذي أدى في نهاية المطاف الى إنهيار مخيف في العملة المحلية حتى تخطت فيه حاجز الـ 600 ريال للدولار الواحد.

ففي الجانب الإقتصادي شرعت الحكومة بطباعة كميات كبيرة جدا من العملة المحلية دون غطاء نقدي من العملة الصعبة، وصلت الى تريليون ريال في احدى شركات روسيا، ووصلت العملة المطبوعة إلى عدن على دفعات عدة، وفي كل مرة تصل دفعة جديدة كان الريال اليمني يشهد إنهياراً متسارعاً في قيمته الشرائية حتى وصل سعر الدولار أكثر من 600 ريال.

كما شرعت الحكومة في إستنزاف المال العام وخاصة من العملة الصعبة من خلال سلسلة كبيرة من التعيينات التي تطلقها بشكل شبه يومي في هيئاتها ووزاراتها وسلكها الدبلوماسي، في الوقت الذي تعيش فيه البلد وضع حرب مأساوي يتطلب بالضرورة إعلان موازنة تقشفية وتقليص الحكومة والإكتفاء بحكومة حرب لا تتعدى وزاراتها 6 حقائب وزارية سيادية وهامة.

هذا فضلاً عن عمليات وصفقات مشبوهة لغسيل الأموال تساهم فيها أطراف في الحكومة وبعض المتنفذين الموالين لها، كانت قد كشفتها وسائل إعلام محلية وأخرى خارجية في وقت سابق من خلال إستيراد المشتقات النفطية والمحطات الكهربائية المستأجرة وغيرها.

وفي الجانب الخدمي، عرقلت الحكومة أو أطرافاً فيها، مشاريع عديدة كانت قدمتها دول في التحالف العربي ومنها الإمارات والكويت، لا سيما في قطاعات الكهرباء والصحة والتعليم، جرّاء عمليات الفساد المتعاظمة في المؤسسات الحكومية الى جانب شروط تعسفية وضعها مسؤولون في الحكومة وداخل تلك المؤسسات لتنفيذ المشاريع، ولعل مشروع الكهرباء الأخير ومشروع العيادة المتنقلة اللذين قدمتهما الإمارات والكويت خير دليل بحسب ما نشرته مصادر إعلامية وقتها.

أما في الجانب السياسي، فقد كشف المجلس الإنتقالي، مؤخراً، أن الحكومة الشرعية وكذا الحوثيين مانعوا مشاركة الجنوبيين في مشاورات جنيف التي تعثرت هي الأخرى بسبب عدم وصول وفد الميليشيات الحوثية، بل واشترطوا حضورهم بإستبعاد الإنتقالي من تلك المشاورات، وهو الأمر الذي أذعنت له الأمم المتحدة عبر مبعوثها الى اليمن مارتن غريفيث، فضلاً عن ممارسات عديدة تقف الحكومة أو أطرافاً فيها عائقاً ومعرقلاً أمام إبراز الجنوبيين والقضية الجنوبية في المحافل الدولية وشنت ضدها أبشع أنواع الكذب والتزوير.

إنتفاضة جنوبية

كل ذلك وما خفي كان أعظم كانت إرهاصات ومؤشرات هيأت لإندلاع إنتفاضة كبرى وغليان شعبي عم كافة محافظات الجنوب إبتداءاً من عدن وشمل لحج وأبين وشبوة والضالع وحضرموت والمهرة وحتى سقطرى ضد الحكومة الحالية التي بات الجنوبيون يطالبون برحيلها فوراً وإحالتها للقضاء جرّاء ما اقترفته بحقهم طيلة السنوات التي مضت.

وبدلاً من الصمت أو الخجل الذي يفترض أن يلتزمه رئيس الحكومة بن دغر، أمام مئات الآلاف من الجنوبيين الذين خرجوا في عموم محافظات الجنوب يطالبون برحيله، شن بن دغر، الخميس الماضي، هجوماً جديداً على الجنوبيين المحتجين في كافة المناطق الجنوبية، واصفاً إياهم بأنهم مثيري شغب ويتبعون أطراف تخدم الحوثيين.

يقول الكاتب السياسي والقيادي في الحراك الجنوبي أحمد عمر بن فريد على صفحته في تويتر رداً على بن دغر: "هذا الكلام كان يقوله عفاش لنا عام ٢٠٠٧ عندما كان يحتكم على دولة وقوات عسكرية وأمنية بمئات الآلاف ولم يجده نفعاً، فكيف الحال بك اليوم وانت في منفاك لا تملك من أمرك شيء سوى سرقة مال الشعب العام؟ وهذا كله لا يخجلك او يمنحك على الاقل شرف الصمت على ما تمارسه شخصيا من جرائم لا تغتفر !".

وبخصوص إنتفاضة الخميس وتزامنها مع الموعد الذي يفترض أن تنطلق فيه مفاوضات جنيف، قال بن فريد : "اكتملت الصورة التي لا تخطئها الأبصار لشعب جبار يقف بصلابة وثبات على أرضه، وفي الجانب الآخر تبرز صورة هزيلة تمثل وصمة عار في جبين الأمم المتحدة لمجموعة افراد تعمل جاهدة على سرقة قضية هذا الشعب الباسل، ولن تفلح ! فيما يحلق فوق روؤس هؤلاء المثل الذي يقول: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت".

إجراءات حكومية

وعلى غفلة من الزمن تذكرت الحكومة الحالية أن هناك أوضاعاً إقتصادية منهارة وتدهور حاد في القيمة الشرائية للعملة المحلية، بينما تلك الكوارث تشهدها المحافظات المحررة منذ أواخر العام 2015، وذاق المواطنين ويلاتها طيلة تلك السنوات العجاف على أمل أن يتحسن الوضع الذي ظل يشهد تدهوراً وسوءاً وتفاقماً يوم بعد يوم حتى وصل الى ما وصل اليه الوضع اليوم.

صحوة الحكومة تلك تمثلت في إجراءات وقرارات جديدة إتخذتها، ولعل أهمها إقرار زيادة في مرتبات المدنيين بنسبة 30% فقط إبتداءاً من شهر سبتمبر الجاري، فضلاً عن إجراءات أخرى نشرت في أكثر من وسيلة إعلامية.

ويرى متابعون وناشطون على شبكات التواصل الإجتماعي، أن قرارات الحكومة واللجنة الإقتصادية لم تكن بمستوى الحدث، كما لم تلبي مطالب الشارع الغاضب في عدن والمدن المحررة جنوباً، ووصفوها بالقرارات الهزيلة وبالإبر المخدرة أو المسكنة التي يراد لها أن تطفئ غليان الشارع وغضب الناس.

ويقول آخرون إن تلك القرارات تدل على شيئين، أولهما أن الرئيس هادي وحكومته ولجنته الإقتصادية لا تعلم على وجه الدقة حقيقة ما يدور في الشارع والمناطق المحررة، وهذا بالطبع أمر مستبعد، وثانيهما أن تلك القرارات يراد من إصدارها إخماد ثورة الشعب وغليان الشارع وإحباط المطالب العادلة التي يطالب بها المواطنون.

كما أثارت تلك القرارات إستغراب الكثيرين على منصات التواصل، حيث عبر الكثير منهم عن دهشته، لا سيما وأن قطاع واسع من الشعب كان ينتظر قراراً بإقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة حرب وعودة جميع المسؤولين الى عدن لممارسة مهامهم.

تماما كما يقول الناشط أحمد الشبح في تويتر: "كنا نتوقع من فخامة الرئيس هادي الغاء سفره إلى امريكا واعلان عودته ومستشاريه وطاقمه إلى عدن، واقالة حكومة بن دغر واحالتها للمحاكمة وتشكيل حكومة حرب وتوجيه جميع المسؤولين الحكوميين من أكبرهم حتى اصغرهم بمغادرة الرياض والقاهره وبقية العواصم والعودة إلى اليمن فورا..".

سيناريوهات محتملة

وبشأن السيناريوهات المحتملة خلال المرحلة المقبلة القريبة، فيرى خبراء إقتصاد أن قرارات وإجراءات الحكومة الأخيرة وما رافقها من حملة أمنية أطلقها البنك المركزي لتحديد تسعيرة موحدة لصرف العملات الأجنبية، لن تحدث إستقراراً دائماً في السوق المحلية خاصة مع عدم التوازن بين العرض والطلب على العملات الأجنبية وعجز الدولة وبنكها المركزي على توفير كميات كافية من النقد الأجنبي والعملة الصعبة في السوق.

ورجح الخبراء، أن تعاود أسعار الصرف إرتفاعها خلال الأيام القادمة وإستمرار عمليات المضاربة في السوق السوداء بالعملات الأجنبية، في حال لم يكن هناك تدخل فاعل وقوي من البنك المركزي لإحداث توازن وإستقرار بين العرض والطلب في السوق.

وحول الإنتفاضة والغليان الشعبي، رجح محللون سياسيون، أن تستمر التظاهرات ويزيد الأمر سوءاً وتفاقماً وربما تخرج الأوضاع عن السيطرة مع إستمرار السخط الشعبي ضد الحكومة، لاسيما مع إستمرار هذا الوضع المزري في إنعدام الخدمات الضرورية كالكهرباء التي عاودت إنقطاعها من 10 الى 12 ساعة باليوم الواحد، والمياه وإنعدام المشتقات النفطية وإرتفاع أسعارها، فضلاً عن الوضع الإقتصادي المنهار وإرتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل جنوني يفوق قدرة المواطن ودخله الشهري المحدود.

إذ أن قرار زيادة مرتبات الموظفين المدنيين بنسبة 30% فقط، يعد بحسب خبراء الإقتصاد، قراراً متأخراً كثيراً، كون تلك الزيادة قليلة جداً ولا تتناسب مع الزيادة الجنونية في الأسعار ولن تغطي كذلك التدهور الحاد للعملة المحلية التي أنهارت بشكل مخيف حتى وصل سعر صرف الدولار نحو 600 ريال، أي ثلاثة أضعاف قيمته التي كان مستقراً عليها حتى العام 2015 وهي "215 ريال".

وفي غضون ذلك وجه ناشطون أخرون، دعوات ورسائل للتحالف العربي للوقوف الى جانب الشعب الجنوبي الشريك الأساسي معه في القضاء على المد الإيراني باليمن، وطالبه بالتدخل العاجل لإنقاذ الجنوبيين من ويلات المعاناة التي يتجرعونها بشكل يومي بسبب تلك السياسيات والإنتهاكات التي تعصف به من قِبل الحكومة وممارساتها.

ووضع الكاتب السياسي جمال بن عطاف على صفحته في تويتر تساؤلاً جاء فيه: "هل يفضل التحالف العربي أن يتمسك بحكومة بن دغر الفاسدة، وجماعة الإخوان المسلمين في الشرعية، على حساب الحاضنة الشعبية الجنوبية للتحالف العربي والتي تخرج بعشرات الآلاف في أهم المدن المحررة بسبب معاناة الاذلال والعيش المهين من سياسة الشرعية المهترئة ؟!".