السبت - 06 أكتوبر 2018 - الساعة 05:19 م بتوقيت اليمن ،،،
عدن برس / تقرير خاص
لن يكون وصول سعر الدولار الأمريكي مقابل الريال اليمني الى 700 ريال، الفصل الأخير من فصول إنهيار العملة المحلية والذي يأتي ضمن مسرحية طويلة وهزلية باليمن الذي نخرته الكوارث والفساد المتعاظم، فضلاً عن إستمرار الحرب التي دخلت عامها الرابع لإنهاء الإنقلاب الحوثي.
بداية فصول المسرحية
بدأت أولى فصول تلك المسرحية بالإنقلاب الحوثي في سبتمبر 2014 ، ومنذ ذلك الحين وما تلاه سيطرت الميليشيات الحوثية على جميع مفاصل الدولة في صنعاء بما فيها البنك المركزي وأستنزفت إحتياطياته وأهدرت أموال الدولة والشعب في مجهودها الحربي ونهب ما تبقى منها.
وفي العام 2015 أعلن الرئيس عبدربه منصور هادي ، من عدن عاصمة مؤقتة للبلاد ، عقب تمكنه من الفرار من إقامة جبرية فرضها الحوثيون عليه بصنعاء، وبالرغم من أن عدن ومنذ ذلك الوقت باتت عاصمة مؤقتة لليمن، إلا أن الشرعية سواءاً الرئاسة أو الحكومة لم تتخذ قراراً بنقل أجهزة ومؤسسات الدولة الى عدن كذلك، ولعل أهمها البنك المركزي.
نقل المركزي الى عدن" على غفلة"
وعلى غفلة من الزمن تذكرت الشرعية أن عليها إنقاذ البنك المركزي في صنعاء الذي كان قد أصبح خاوياً على عروشه وخالياً من الإحتياطيات، فأصدرت في سبتمبر من العام 2016 قراراً بنقل البنك الى عدن، وهو القرار الذي جاء إنقادا للحوثيين لاسيما وأنه جاء في الوقت الذي وقعت فيه الميليشيات في ورطة كبيرة خاصة مع عدم تمكنها من الإيفاء بإلتزاماتها وسداد مرتبات موظفي القطاع الحكومي لأشهر خلت.
وبدلاً من أن يكون ذلك القرار حافزاً للشرعية ويصب في مصلحتها ومصلحة الدولة، كان بعكس ذلك تماماً، إذ كان مركزي عدن في تلك الفترة هو الآخر خاوياً من العملات الأجنبية والإحتياطيات النقدية، فضلاً عن إفتقاره للبرمجيات البنكية وكوادرها المتخصصة وكذا الحسابات المركزية وغيرها من ما يعرف بالسوفت وير.
وتلى ذلك قرار "أهوجاً" حينها من قبل الحكومة وقيادة مركزي عدن، بطباعة كميات جديدة وكبيرة من العملة المحلية لتغطية العجز الحادث في المحافظات المحررة، وبدون وجود غطاء نقدي من العملات الصعبة داخل البنك المركزي بعدن، بالإضافة الى قرار آخر أشد وطأة منه وتمثل في تعويم العملة المحلية وتحديد سعر الصرف وفقاً للعرض والطلب بالسوق.
قرارات متسرعة
يقول الكاتب والباحث الإقتصادي علي السليماني أحد الكوادر المتقاعدة من الغرفة التجارية والصناعية في حديث خاص إن: "المشكلة الاقتصادية في العالم كله هي محور الاهتمام والهم تشترك في ذلك الدول الغنية والدول الغقيرة .. وتختلف الدول في اساليب معالجتها لتلك المشكلة والتي تتعدد اسبابها من الندرة الى سوء الادارة وتعاظم الفساد وتسيده، والمشاكل السياسية، والحروب".
وتحدث السليماني عن جذور المشكلة الإقتصادية في اليمن بدءاً باليمن الشمالي إذ قال: "وفي اليمن الشمالي منذ الانقلاب العسكري على النظام الملكي في 26 سبتمبر 1962م، لم توجد دولة في تلك الرقعة الجغرافية "الجمهورية العربية اليمنية" بالمعنى الحقيقي للدولة، وانما هناك دويلات، عسكرية، واخرى قبلية، وثالثة طائفية".
وأضاف: "اعتمدت تلك الدويلات التي تتعايش تحت اسم الجمهوربة العربية اليمنية، على عامل الابتزاز للجوار بالتخويف بتفجير نفسها في دول جوارها لابتزازه، وظل اعتمادها كليا قائما على المساعدات التي لا تذهب لصالح التنمية وانما تتقاسمها تلك الدويلات بحصص متفق عليها" كل وحسب قوته ونفوذه، وهذا النمط من السلوك صاحبه ترهل اداري وفساد متعاظم اصبح هو المتسيد منذ عام 1994م في "الجمهورية اليمنية"".
وحول نشوء الأزمة الحالية أوضح السليماني: "في هكذا وضع وما اضيف اليه من اعباء حرب 2015، اتخذت حكومة الشرعية قرارات متسرعة بنقل البنك المركزي من صنعاء الى عدن في سبتمبر 2016، كما تم استبعاد ذوي الخبرة والتخصص ومن ابرزهم الدكتور بن همام رئيس البنك المركزي لاهداف سياسية .. والكارثة الكبرى هي طبع اربعمائة مليار ريال بدون غطاء على اساس تغطية العجز في السيولة النقدية لتلبية صرف المرتبات دون ان يصاحب ذلك دوران للعجلة الاقتصادية وعمودها الفقري تدوير السيولة في التعاملات وتنظيم النوافذ الابرادية وتوريدها الى بنك مركزي واحد".
وأشار أن كل ذلك : "ادى الى اختفاء تلك المبالغ وتبخرها وهو ما استدعى الى طباعة المزيد من المليارات الورقية النقدية واتضح للجميع ان الفاسدين والمتنفذين من نظام صالح اتجهوا الى الشرعية فصار هؤلاء يشترون العملات الصعبة باي سعر من السوق لوجود كميات من تلك النقود الورقية المطبوعة دون غطاء بايديهم، ويحولونها الى الخارج بشراء العملات الصعبة الشحيحة، كما يحولون الى الخارج سبعين مليون دولار شهريا مرتبات ورشاوي، مما استنزف العملات الصعبة وادى الى انهيار الريال اليمني".
وبشأن الإجراءات الحكومة والبنكية الأخيرة، يقول السليماني : "اجراءات الحكومة ليست غير لرفع العتب ولن تحقق اي نتيجة ايجاببة حتى ولو تم تغيير هذه الحكومة نفسها فلن تأتي التي بعدها بافضل مما هو مُعاش حاليا، لان المشكل يكمن في تعدد مراكز النفوذ والمحاصصة في مدخلات البنك المركزي الذي بات ثلاثة بنوك، والوضع السياسي المضطرب في البلد عموما والوضع السياسي بين الجنوب والشمال منذ عام 94م، وذلك الوضع هو ما يجب البحث له عن حلول تستجيب للواقع والتوجهات الدولية للحلول عموما، عوضا عن التهديد بتفجير اليمن في الجنوب وفي دول الجوار ففي الاخير لن ينفجر الا اليمن نفسه وشعبه الطيب".
قرارات إعلانية غير مجدية
ومؤخراً، أصدر البنك المركزي قرارات جديدة حول الوديعة السعودية ومنها فتح باب الإعتمادات المستندية عبر عدد من البنوك الأهلية والتجارية وتحديد سعر الصرف للتجار المستوردين بـ 585 ريال للدولار الواحد ، فضلاً عن قرارات أخرى برفع أسعار الفائدة على الودائع وغيرها من القرارات التي هي تفتقر للجدية في تنفيذها كقرار زيادة مرتبات موظفي القطاع المدني بنسبة 30% إبتداءاً من سبتمبر الجاري.
ويقول الخبير الإقتصادي والأستاذ في كلية الإقتصاد بجامعة عدن مساعد القطيبي في حديث خاص : "للأسف الشديد كل الاجراءات التي اتخذتها الحكومة لمعالجة الأوضاع الاقتصادية المتدهورة وعلى وجه الخصوص مشكلة تدهور أسعار صرف العملة المحلية جميعها باءت بالفشل".
وعن أسباب فشل تلك الإجراءات يقول القطيبي : "إن عدم جدية الحكومة في تنفيذ الاجراءات والقرارات التي اتخذتها والاكتفاء بالإعلان عنها فقط هو ما أدى إلى تفاقم أزمة أسعار الصرف على النحو الذي هي عليه اليوم، ويبدو أن الحكومة كانت تعول كثيراً على التأثير الإعلامي للإعلان عن تلك المعالجات أكثر من تعويلها على نجاح تلك المعالجات من خلال تطبيقها عمليا على أرض الواقع".
وأضاف : "لقد اكتفت الحكومة بالإعلان عن تلك المعالجات ظناً منها أنه لمجرد الإعلان عنها فإن ذلك سيؤثر بشكل كبير على قرارات المضاربين بالعملات الذين يقومون باكتناز كميات كبيرة من العملات الصعبة بغية بيعها مستقبلا مستغلين الارتفاع في أسعارها".
وتابع بالقول : "هؤلاء المضاربين غالبا ما يبنون قراراتهم في بيع أو شراء تلك العملات بناءً على توقعاتهم المستقبلية لاتجاهات أسعارها ولذلك فإنه بمجرد إعلان الحكومة عن أي معالجات لتحسين أسعار عملتها المحلية أمام العملات الأجنبية فإن ذلك يدفع بالمضاربين إلى التخلص من تلك العملات الصعبة من خلال بيعها قبل انخفاض أسعارها أمام العملة المحلية على افتراض أن الاجراءات الحكومية سيكون لها تأثير كبير في انخفاض أسعار العملات الأجنبية وتحسين أسعار العملة المحلية".
عدم جدية الحكومة
وأوضح القطيبي أن : "هذا ما كان يحدث خلال الفترات الماضية، لكن – باعتقادي – أن عدم جدية الحكومة في تنفيذ قراراتها وإجراءاتها التي أعلنت عنها لمرات عديدة بهذا الخصوص دفعت بالمضاربين إلى عدم تصديق الحكومة بأي إعلان لها عن قيامها باتخاذ قرارات أو إجراءات لمعالجة حالة التدهور التي تطال أسعار صرف عملتها المحلية وعدم إيلائها أدنى اهتمام ولذلك نجد أن جميع القرارات الحكومية التي اتخذت مؤخرا لمعالجة الأزمة الحالية - بالرغم من أهميتها - إلا أنه لم يكن لها أي تأثير ولو بالحد الأدنى على أسعار الصرف".
وأختتم حديثه قائلاً : "يمكننا القول إنه طالما ظلت الإيرادات المتأتية من الصادرات النفطية مغيبة عن خزينة البنك المركزي أو غير معلن عنها بنشرات رسمية للحكومة أو للبنك المركزي، وطالما ظل الهم الأكبر للحكومة هو كيفية تلبية احتياجات أعضائها أو مناصريها في خارج اليمن والذين تخصص لهم ملايين الدولارات شهريا وذلك على حساب معيشة وحياة الشعب في الداخل، وطالما ظلت مخصصات أعضاء الحكومة من وزراء ونواب وزراء ووكلاء وغيرهم التي يتسلمونها شهرياً بالعملات الصعبة.. طالما ظلت هذه الممارسات قائمة فالوضع الاقتصادي مرشح إلى مزيد من التدهور والانهيار".