كتابات وآراء


السبت - 20 يونيو 2020 - الساعة 07:27 م

كُتب بواسطة : أحمد سعيد كرامة - ارشيف الكاتب


كانت السعودية أكثر وضوح وشفافية هذه المرة، إملاءات السعودية على المجلس الانتقالي الجنوبي لم تكن جديدة بل أتت بعد فشل تنفيذ إتفاق الرياض وملحقه.

كان للسعودية أمل أن يتكرر مشهد أغسطس المشؤوم مع تعديل جوهري بالخطة لنجاحها والقضاء على المجلس الانتقالي الجنوبي، والعائق الوحيد كما تدعي الشرعية لنجاح الخطة هو تواجد القوات المسلحة الإماراتية في عدن، ولم يكن هناك سبب قوي ووجيه لخروجها أو إخراجها أفضل من إتفاق الرياض، ذهب الأمير خالد بن سلمان إلى أبوظبي لإقناع ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية بضرورة الإنسحاب من عدن لافساح المجال أمام تطبيق إتفاق الرياض، وكان هذا شرط الرئيس المؤقت هادي الأوحد لتنفيذ الإتفاق.

إنسحبت الإمارات ليس عسكريا من عدن بل حتى إغاثيا وإنسانيا أمام شرط الجاحدين اللئام، وغادرت أسراب طائرات سلاح الجو الإماراتي مطارات عدن والعند، وهنا بالذات نرى أن مغادرة الطيران كان مطلب مليشيات مأرب الإخوانية التي تذرعت به سابقا أنه كان سبب هزيمتها وتراجعها عن غزو عدن.

زجت شرعية الرئيس الإخواني هادي بكل ما تملك من معدات وآليات وعتاد ورجال وقادة من جميع المناطق العسكرية ليوم المعركة الحاسمة التي طال إنتظارها لاجتياح عدن، ولكن عدن اليوم لم تعد عدن أغسطس، وتعلمت القوات المسلحة الجنوبية درسا قاسيا ووعدت بعدم تكراره.

كانت إستراتيجية معركة شقرة للقوات المسلحة الجنوبية هي إستنزافية وليست هجومية ونجحت بذلك، كبدت قوات الإخوان خسائر فادحة على مستوى العتاد والأفراد والقادة، وسبب ذلك إنهيارا معنويا كبيرا بسببه غادر الشدادي الصغير وغيره معركة شقرة.

لم تستطيع قوات الإخوان ومن ساندهم من الجنوبيين تجاوز مائة متر عن مواقعهم السابقة، حتى وصلت السعودية لقناعة تامة بإستحالة إقتحام عدن عسكريا، وعرضت إملاءاتها التي كانت مجملها لصالح شرعية الإخوان وعودتها إلى العاصمة عدن، مع إغفال عودة الأمور إلى نصابها الصحيح في شبوة وحضرموت.

كثير من العامة وغيرهم أساؤو فهم وطبيعة النهج السعودي مع شرعية الإخوان، ليست السعودية بهذا الغباء كما يتصور البعض، قد تكون لها هفوات كارثية كخسارتها حرب اليمن مع مليشيات الحوثي الإيرانية، وعدم قراءتها قراءة صحيحة لواقع الجنوب وشعبه متجردة من أي حسابات أو أهداف وضعت سابقا ولم تتحقق.

السعودية لن تخرج من الحرب اليمنية خالية الوفاض، فما خسرته سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعسكريا وبشريا لم تخسره منذ تأسيسها حتى اليوم، ولهذا هي تراهن على آخر فصول نهاية الشرعية والحرب من خلال حتمية عودة الحكومة الشرعية والبرلمان والرئيس إلى العاصمة عدن، والشروع لجلسات المجلس وإقرار والمصادقة على إتفاقيات إعادة ترسيم الحدود، ومد أنبوب ناقل النفط والغاز السعودي عبر الأراضي اليمنية وصولا إلى بحر العرب، وتأجير بعض الجزر اليمنية كسقطرى وميون وغيرها من المواقع والجزر الإستراتيجية.

والمصادقة على إقامة قواعد بحرية وجوية سعودية في اليمن، عدم عودة الحكومة الشرعية والبرلمان إلى العاصمة عدن وتعاظم نفود وقوة مليشيات الحوثي الإيرانية وسقوط ما تبقى من الأراضي الخاضعة للشرعية الإخوانية تعتبره السعودية خسارة كبرى لا يمكن تعويضها أو تجاوزها بسلام، ولهذا إعلان وقف الحرب بهكذا مرحلة دون إحراز نصر سياسي أو إستراتيجي سيدخل المملكة بصراع داخلي مرير بين مؤيد ومعارض لولي العهد السعودي، وسيتعاظم نفود وقوة المناوئين له.

دعوة قادة المجلس الانتقالي الجنوبي إلى الرياض كانت دعوة مشبوهة الغرض منها ترويضهم، أكثر من شهر على مكوثهم هناك ولم تقدم لهم أي مبادرة أو تجرى معهم أي مشاورات حول تنفيذ إتفاق الرياض، فخ نصب بليل، كان الله لهم بالمرصاد، المماطلة والتسويف وحرب الخدمات كان الغرض منها زعزعة معنويات الوفد وإنهيار معنوي للشعب حتى يرضخوا لمطالبها وشروطها ومقترحاتها.

لتعزيز موقف الوفد التفاوضي، لم يكن أمامنا سوى خيارين لا ثالث لهما للضغط على السعودية وشرعية الرئيس المؤقت هادي والخروج من مأزق الرياض الحالي، وهما خروج مسيرات ومظاهرات تندد بالموقف السعودي في عدن والمحافظات المجاورة، وخيار عسكري بشقرة أو سقطرى، كان الخيار العسكري هو الراجح لكي لا نخسر السعودية نهائيا ونسبب لها حرج إقليمي ودولي في هكذا أوضاع عالمية وعربية صعبة للغاية.

هل تعلمت الشقيقة والشرعية من هذا الدرس البليغ وهو أن لدى الخصوم أيضا أوراق ضغط كثيرة ومؤلمة، أما أن هناك سيناريوهات وأحداث قادمة وكبيرة تحدد ملامح المرحلة القادمة وأهم لاعبيها، هي الفرصة الأخيرة فالمتاح اليوم قد يصبح مستحيلا غدا.