كتابات وآراء


الخميس - 22 نوفمبر 2018 - الساعة 11:35 م

كُتب بواسطة : محمد نجيب - ارشيف الكاتب


وأخيرا أسدل الستار عن الآراء والمواقف السياسية الحقيقية والتي تنتهجها الدول الإقليمية والكبرى والمرتبطة بقضية “الجنوب” وشعبه وحق “تقرير مصيره” و”استعادة دولته” بحدود 21 مايو 1990م.

لقد ثبت بما لا يدعو للشك مدى تجاهل الكل للقضية الجنوبية وهدفها المقدس بدءا بمخرجات “الحوار الوطني” مرورا بالمبادرة الخليجية ووصولا إلى القرار الأممي المدلل 2216.

وبالعودة الى الوراء ومباشرة بعد حرب 1994م على الجنوب بدأت حركات مقاومة الاحتلال وانبثقت عدة مكونات جنوبية توحدت وتجمعت جميعها في مطلب واحد ألا وهو “استعادة” دولة الجنوب على حدود 21 مايو 1990م.

بطبيعة الحال، قام النظام السابق باستخدام كل أدواته وأجهزته لمحاربة واجتثات والقضاء على مثل هذه المطالب التحررية ومن يمثلها، واستخدم أساليب عدة، من الاعتقال والسجن والتعذيب والنفي إلى محاولات شراء الذمم بالمال والمناصب والسلطة.

بل إن النظام السابق قام بما هو أكبر وأخطر من هذا وذلك باستنساخ وتفريخ مكونات وشلل على أنها “جنوبية” لتشتيت وتفريق وتمييع وشق وحدة الصف الجنوبي وإجهاض مشروع “استعادة دولة الجنوب”.

وبرغم سعي النظام السابق الدؤوب في تنفيذ خططه ومشروعاته ضد مكونات التحرر الجنوبية الحقيقية، إلا أن زخم الأخيرة اتسع حجما وازداد عددها حتى وصلت إلى العشرات. ولكن وبرغم هذا التطور الإيجابي والمتميز، لم تفلح جميعها و/أو حتى بعض منها في التوحد وتأسيس “جبهة/اتحاد” ممثلا عنها على المستوى الداخلي عامة والخارجي خاصة.. وكانت كثرة المكونات الجنوبية وتشرذمها الواقع الذي شل أي إدراك أو معلومة عن واقع “القضية الجنوبية” لدى كافة الجهات الخارجية الأممية. ذلك، وعندما كانت هذه الجهات تسعى جاهدة لمعرفة عامة عن “القضية الجنوبية “، كانت تنصدم بعدم وجود “منبر جنوبي واحد” مفوضا وممثلا للعدد الكبير من المكونات الجنوبية على الأرض بنقل وجهات النظر وتطلعات الشعب الجنوبي.

ومرارا وتكرارا ما ألمحت بداية، ونقلت وصرحت لاحقا، هذه الجهات (الإقليمية) والأممية الخارجية (الدول الكبرى) بهذه “النكسة” السياسية التي رافقت المحاولات لإخراج وإظهار القضية الجنوبية العادلة الى العالم الخارجي وتفهمه والحصول على التأييد والدعم في هذا الصدد.

وجاءت حرب 2015م ضد مليشيات الحوثي التي غزت الجنوب لتخرجها المقاومة الجنوبية من أرضه الطاهرة في أقل مدة زمنية بدعم وإسناد ومساهمة ومساعدة من دول التحالف العربي، المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.. وتحرر الجنوب.

وبرغم هذا الإنجاز التاريخي والعظيم استمرت مكونات المقاومة الجنوبية في تباعدها وإبقاء مسافة  بين بعضها البعض كما كان حالها قبل الحرب. واستمرت الجهات الخارجية والأممية بالبحث عن وجهة “البوصلة” دون جدوى. 

وفي هذه الظروف المصيرية، شاءت الأقدار بزوغ فجر باسم لقضية الجنوب و”شعبه” بإشهار  “المجلس الانتقالي الجنوبي” في 4 مايو 2017م. 

ومنذ لحظة تأسيسه أدركت غالبية قطاعات المجتمع الجنوبي أن “المجلس” وبأهدافه الوطنية الجبارة هو “الأكفأ والمؤهل والراغب والمتمكن والقادر” على تمثيل الجنوب وإرادة وتطلعات شعبه الأبي من باب المندب إلى المهرة.

بل أن هذا الموقف لأغلبية شعب الجنوب زاد رسوخا وثباتا بعد فتح المجلس “ذراعيه” لكل المكونات الجنوبية على الأرض للانضمام إليه ومشاركته في تحقيق “الهدف المشترك” للجميع، وهو استعادة الجنوب الوطن بحدود 21 مايو 1990م.

وكان من أهم أهداف المجلس القبول باختلاف وجهات نظر المكونات الجنوبية على الأرض، طالما وأن الهدف “السامي” هو ما يجمع وما يسعى إليه الجميع.

وفي أقل مدة زمنية استطاع المجلس الانتقالي الجنوبي فرض واقعه كقوة ومكون جنوبي لا يستهان به على المستوى الداخلي والخارجي، وأصبح للجنوب ولأول مرة منذ 7 يوليو 1994م “جهة/مرجعية” تتوجه إليها الجهات الخارجية والأممية عند الحاجة والظرف للمناقشة والتشاور والتفاوض فيما يخص الجنوب وقضيته العادلة والمصيرية. 

أما على المستوى الوطني، فقد فتح المجلس الانتقالي الجنوبي مبادرات وأبواب الحوارات “الجنوبية-الجنوبية” دون شروط مسبقة أو إقصاء أو تهميش أو محاولة ضم لأي مكون جنوبي. بل، عقد العزم على الذهاب والتواصل مع أي مكون إينما وحيثما كان.

قلنا في مدة زمنية قصيرة ذهب المجلس الانتقالي بالقضية الجنوبية إلى أغلب وأبعد المحافل الإقليمية والدولية لعرض والتعريف بالقضية الجنوبية، وكانت نتيجة هذا العمل الوطني الأمين والمخلص بأن اعترفت الدول الكبرى ومجلس الأمن الدولي بـ “القضية الجنوبية “ وأهميتها المحورية في النزاع الراهن الدائر في جنوب غرب الجزيرة العربية، بل إن حل الوضع القائم لن يتم إلا بحل “القضية الجنوبية”. 

وعليه، فإن المجلس الانتقالي الجنوبي ورغم حداثة وجوده، فإنه قد “سبق” الكثير، حتى الذين “شرع لهم”، بمسافات وأزمان ويجني ثمار هذا الجهد والعمل الوطني الصميم ويحصل على “شهادة “ غالبية “الجنوبيين” بأنه “ممثلهم” الأول والأكبر والأقوى في الجنوب.. بل هو الوحيد على أرض الجنوب الذي يمتلك البنية الأساسية والتي تعادل مقومات “دولة” ولو بالحد الأدنى والمقبول.

وبناء عليه، لا يمكن لأي جهة داخلية أو خارجية أن تتجاهل أو تقصي “المجلس” في “كل” ما يتعلق بالجنوب... أكان سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا... أو حتى أمور السلم والحرب. “المجلس” له في كل الجنوب وفي كل ما يخصه.

وبرغم هذه المكانة التي وصل لها المجلس على أرض الجنوب، فإن قيادته بكافة فئاتها انتهجت مبادئ سياسية ناضجة ومتوازنة بعيدا عن الانفعالات تأخذ بعين الاعتبار محاربتها للإرهاب بكل أشكاله على المستوى الإقليمي والدولي، وكذا أمن وسلامة ومصالح دول الجوار الشقيقة.

وصول المجلس إلى هذه المكانة المنجزة والمتميزة وضعته في موقف لا يحسد عليه مع أغلبية شعب الجنوب وذلك فيما يتعلق بـ “اتخاذ” موقف أو قرار أو يكون “المقدمة” و “الخطوة” الأولى المؤدية إلى “حق تقرير المصير” و “استعادة دولة الجنوب”.

وكما هو واضح، فإن الضغوط التي تواجه المجلس لـ “تحرك” صوب إعلان “حق تقرير المصير” ربما “تقابل” ببعد “التحفظ” من قبل بعض المجلس أو مؤيديه، مراد تخوفهم هو ردود الفعل التي قد تقدم عليها دول المنطقة أو الكبرى. وفي سيناريو كهذا، فإن أسوأ ما قد يحدث هو سلاح “العزلة” السياسية والاقتصادية والدبلوماسية...إلخ.

الجنوب وبرغم موقعه الجغرافي والاستراتيجي في معابر وطرق التجارة العالمية، إلا إنه لا يمثل أي رقم على جدول الاقتصاد العالمي.. وهذه حقيقة مؤلمة. 

الجنوب ليس روسيا ولا حتى إيران، ولكن وبوجود مقومات وثروات اقتصادية متواضعة  (نفط، غاز، ثروة سمكية...إلخ) وجاليات جنوبية مغتربة، خاصة في السعودية ودول الخليج، فإن تبعات وتاثيرات أي “عزلة “ إقليمية/دولية لن يكون لها نتائج كبيرة خاصة إذا أخذنا وقيمنا ما نحن عليه “في الوقت الراهن” من تدهور وسوء وانحطاط في كل مستويات حياتنا ومعيشتنا الاقتصادية والخدمية والاجتماعية.... فهل سيكون هناك أسوأ من هذا؟ حتما لا..

بعدد سكان لا يتجاوز 5 ملايين نسمة، وبتاريخ صلابة روح وعود هذه الأمة، عرفها القاصي والداني، فإن ما يملكه الجنوب في باطن وفوق ترابه وبحاره وأرضه وشعبه في الداخل والخارج كفيل أن يكون المدد المستدام لإرساء الأسس لدولة الجنوب الجديد الديمقراطي الحر.

وكم من دولة قرر لها “دخول قفص العزلة” ما زالت واقفة صامدة، بل إن وضعها العام قد تحسن مقارنة لما قبل الـ “عزلة”.. ولنا في كوبا وأرض الصومال خير مثال.

تاريخيا، وفي وقتنا المعاصر، أثبتت قرارات “العزلة/المحاصرة”، وبالذات الاقتصادية سقمها وعدم فعاليتها.. ذلك أن غريزة شعوب وأمم العالم تنجح في تأسيس روابط وجسور إنسانية تخفف كثيرا من تبعات مثل هذه القرارات الجائرة من قبل دولها ونخب حكامها، وأحيانا تنجح حتى في زوالها.

نقول إن الشعب لن ينتظر أكثر مما انتظره... فمصداقية المجلس على المحك.. لا مزيد من إهدار الفرص والوقت..

إذا كان أبناء الجنوب هم من فرطوا فيه، فالأولى بأبنائه أن يستعيدوه عوضا عن الشقيق الكبير/الصغير، المتعاطف/الحليف أو الصديق المتفهم.
ختاما.. وبالذي بعث محمدا رسولا ونبيا، فإن أي “عزلة” لن تكون أشد وطأة ولا موجعة كالتي اقترفتها "قريش" بحق "بني هاشم".