الإثنين - 19 أغسطس 2019 - الساعة 08:58 ص
"محافظ البنك المركزي اليمني حافظ معياد قدم مقترحاً عاجلاً للرئيس عبدربه منصور هادي بنقل المقر الرئيس للبنك، وأكد أنه لا يستطيع أداء "مهامه" من عدن بعد الانقلاب الذي نفذته قوات انفصالية".
موقع المصدر اونلاين - 14 أغسطس 2019م.
- كنا قد كتبنا في السابق (مقالة إحدى الإثنتين) عن المهام والوظائف الرئيسية في اي بنك مركزي في أي دولة في العالم كانت متقدمة إقتصاديا (مجموعة السبع G7) او ناشئة (الصين) او نامية (مصر الغالية) او متقهررة (كبلدنا), بغض النظر عن نهج سياساتها وبرامجها الاقتصادية كانت رأسمالية (السوق الحر) او اشتراكية (مركزيا) او اسلامية او غيرها (مختلط)...
- الفيدرالي الأمريكي (المركزي) وبنك إنجلترا والمركزي الإيراني إلخ إلى آخر قائمة البنوك المركزية في العالم, وبرغم اختلاف الوضع والبيئة الاقتصادية والمالية في كل دولة على المعمورة, إلا انها جميعها لها فيما بينها قواسم أساسية ومحددة مشتركة تسمى "مهام - Missions " نوجزها في التالي:
1- مكافحة التضخم وهو الإرتفاع المستمر في الأسعار.
2- المحافظة على القوة الشرائية للعملة الوطنية, بمعنى آخر الدفاع عن أسعار صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية.
3- العمل على القضاء على و/ او تخفيف حدة البطالة في الإقتصاد الوطني.
4- تنظيم ومراقبة ومتابعة وتوجيه القطاع المصرفي الوطني نظرا لأهميته كونه يمثل الشريان الحياتي في البلد والذي بدونه سيصاب الإقتصاد الوطني بشلل إن لم يكن بمقتل.
- ولكي يستطيع البنك المركزي, أينما كان, تتفيذ المهام المذكورة أعلاه (كلها و/ جزء منها), فقد اعطى وظائف ومسؤوليات تتراوح في عددها بين 5-8 (بحسب مستوى وطبيعة كل دولة على حدة) تساعده وتمكنه على تحقيق تلك المهام - Missions. ومن ضمن هذه الوظائف أدوات هي بالدرجة الأولى سياسات مالية ونقدية متعددة ومختلفة يتم إقرارها من قبل الحكومة بحسب الظروف الاقتصادية السائدة (نمو او انكماش إقتصادي, تضخم او العكس, ضغوط على سعر الصرف, تمويل عجوزات... إلخ) يقوم بعدها البنك المركزي بسريانها وتنفيذها على مكونات الإقتصاد المالي في البلاد مدعوما بالقوة السيادية في ذلك (كونه بنك الدولة).
- كما تلعب هذه الوظائف دورا محورا للبنك المركزي في الدولة فيما يخص متطلبات وإحتياجات وإدارة والحفاظ على أموال الدولة والمالية العامة.
- ولكن, يبدو أن الوظائف القائمة والمناطة بالبنك المركزي منذ أواخر العام 2016م ولحينه, قد انحرفت كثيرا عن عما اوجزناه سلفا واتجهت نحو أمور ومسائل بعيدة كل البعد عن جوهر مهامها والمشاكل القائمة المتفاقمة في القطاع المصرفي خاصة والتي تخمرت بسبب إهمالها كانت نتائجها تدهور غير مسبوق في كافة الاحوال والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية عامة ومعيشة وحياة المواطن على وجه الخصوص، فالتضخم صار ماردا لا يمكن التصدي له او حتى احتوائه، وأسعار الصرف في حالة اضطراب ومستمرة في الانزلاق ولم يطرأ عليها أي تحسن جوهري وملموس (تخطت حاجز ال600 ريال للدولار) والبطالة أصبحت غولا مخيفا وقفزت إلى احجام ومستويات مرعبة; واخيرا التداعي والتراجع في القطاع المصرفي بالمناطق المحررة والذي يضم بنك واحد (المقر الرئيسي - الاهلي) ونحو 10-12 فرعا لبنوك مقارها الرئيسية في صنعاء، ولا يتمتع البنك المركزي اليمني في عدن بأي سلطة مالية ونقدية او حتى رقابية او تنظيمية او إشرافية إلخ على هذه المؤسسات او على فروعها ( التي في عدن ).
كما وليس للبنك المركزي في عدن أي قدرة على بسط سلطته وسياساته ولوائحه وقراراته عليها كما خوله القانون (قانون البنك المركزي اليمني).
ذلك ان هذه البنوك التجارية والمصارف الإسلامية تخضع جميعها لإشراف وسياسات ولوائح البنك المركزي في صنعاء كما كان الوضع قبل قرار فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي بنقله إلى العاصمة عدن في سبتمبر 2016م... وكأن شيء لم يكن ولم يتغير.
- ولكن لدى البنك المركزي اليمني في عدن امهمة ايتيمة والتي يروج لها دعائيا ولها حركة نشاط دوري هي تلك المرتبطة بالوديعة السعودية "وآليتها" المتعلقة باستيراد السلع الأساسية والتي يستفيد منها بجدارة البنوك التجارية والمصارف الإسلامية الممتثلون للمركزي في صنعاء.
- ولكن ومن ناحية اخرى وإذا كانت "آلية " إستيراد السلع الأساسية قد أعطت زخما وروحا لأنشطة البنوك التجارية والمصارف الإسلامية في صنعاء, فان متطلبات وشروط إستيفاء "آلية " إستيراد السلع الأساسية بإستخدام موارد الوديعة السعودية أدت إلى شل حركة القطاع المصرفي (بدرجة كبيرة الاهلي) تمثلت في حالة جفاف حاد للريال اليمني في خزائن وحسابات البنك الوحيد في عدن، وكذا فروع البنوك الأخرى, إن أردنا اخذها بعين الاعتبار، ويرجع ذلك, كما أشرنا, الى الشروط غير العملية وغير الحصيفة والتي طلبها وحددها البنك المركزي اليمني لتأهل المستوردين لفتح اعتمادتهم المستندية لاستيراد المواد الأساسية، لابد ان يكون للبنوك الحد الأدنى من السيولة النقدية لاستمرار أدنى درجة من النشاط في عملياتها وإلا ستنكمش وتنهار لاحقا. أحد الأسباب الرئيسية لإفلاس وانهيار البنوك خلال الأزمة المالية العالمية (2008-2009م) كان جفاف سيولتها النقدية وبالتالي عدم استطاعتها على الوفاء لعملائها وكذا بالتزاماتها لجهات في القطاع المصرفي.
مثل هذه السياسات ألحقت اضرارا بمواقف مالية القطاع المصرفي عامة وسيولتها النقدية خاصة، ونتج عن مثل هذا الوضع, في عدن, إخفاقا ل"البنك الوحيد ولفروع ال 10-12" على الوقوف مجددا بكل جدارة واقتدار لتطبيع أعمالها وإعادة وكسب ثقة وطمأنينة عملائها وزبانها (مقالة: إهمال البنك المركزي للقطاع المصرفي... تعمدا).
- دعونا نبرر ونقول ان إخفاق وفشل المركزي اليمني في أداء مهامه الأساسية والمناطة به يعود بالدرجة الاولى إلى الحالة الراهنة في الوطن.. نعطي حسن الظن.
- ولكن مثل هذا الوضع لم يكن ليمنع البنك المركزي اليمني منذ انتقاله إلى عدن منذ نحو ثلاثة اعوام على البدء في خلق "مبادرات" في مجالات لها علاقة في بث الروح بالمجال المصرفي وتعزيز دوره في الإقتصاد الوطني وزرع بذور الإصلاحات والتصحيحات على مستوى برامج عملياته وخططه الاستراتيجية لانتشال القطاع المصرفي من وضعه المتقهقر، وكأمثلة على مثل هذه المبادرات امكانية أن يسعى المركزي على تخفيف شروط ومؤهلات فتح فروع لبنوك خليجية، وتمكين مشاركات بعض بنوك دول التحالف في البنك الأهلي كمساهمين استراتيجيين وضخ ورفع رأس ماله الحالي الصغير والمتواضع وجعله المنصة التي تنطلق منه أحدث وأوسع المنتجات البنكية للتاجر وللمدخر والمستثمر مدعومة ومقرونة بأفضل الخدمات وأحدث الوسائل والأنظمة البنكية، آخذين بعين الاعتبار مدى التقدم الذي وصل إليه القطاع المصرفي في دول التحالف العربي، وقائمة المبادرات, كهذه, لها أن تزيد وتتوسع فيما لو أعطيت العناية والاهتمام والوقت، وقد تظهر في حين غفلة بوادر وامكانيات تنفيذ القليل والمستطاع منها.
- مثال آخر: نحن من أكثر دول العالم فقرا حيث لا يتجاوز نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 750 دولارأمريكي سنويا (تقرير البنك الدولي - 2018م)، وجنب الى جنب الى هذا الوضع المأساوي, فأن اليمن تعتبر واحدة من أكثر الدول المدينة إذ يصل مستوى الدين العام اليمني إلى نحو 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي GDP اي نحو 23 مليار دولار أمريكي ( البنك الدولي ) ; ثلثين من هذه الديون (65%) هي دين محلي وبالريال اليمني، ولكن خدمة هذا الدين (الأقساط المستحقة فوائدها) يعتبر عبء وثقلا كبيرا على الإقتصاد حاضرا ومستقبلا ويعتبر عنصرا شرهه يلتهم ويقضي على أي موارد وأصول اقتصادية كان بالإمكان تسخيرها لتطوير أسس وقواعد الاقتصاد الوطني بكل نواحيه وقطاعاته, ناهيك عن الفائدة التي تدفع على هذا الدين العام والتي تعتبر واحدة من الأعلى على مستوى ديون العالم وبمتوسط نسبة تزيد عن 20 % في السنة. ماذا عملت قيادة البنك المركزي بهذا الصدد? هل أسست لوحدة متخصصة ل"إدارة الدين العام " وشؤونه? هل عملت على إجراء إتصالات مع الجهات المعنية من أجل شطب كل و/ أو نسبة من الديون السيادية القائمة على اليمن بالعملات الأجنبية?
هل نصح البنك المركزي الحكومة بالمخاطر الكبيرة والعواقب المدمرة على حاضر, ومستقبل الاقتصاد نتيجة لإرتفاع الدين العام بالعملة المحلية وطلب منها ضبط المصروفات وتحسين أداء المالية العامة? الدين العام هم يساور المواطن حاضر وعقاب يدفعه أجيال المستقبل، أغلب دول العالم تعمل على التخلص و/او تقليص الدين العام بسبب تبعاته المدمرة وتقييده لأي فرص للنمو والتطور الإقتصادي.
- يجب على قيادة البنك المركزي اليمني أن لا تنتظر ان يقدم لها الحلول للمشاكل على طبق من ذهب، بل ان عليها أن تسعى جاهدة لمعرفة أسبابها والمعضلات والعوائق التي تواجهها ووضع حلول عديدة ومبتكرة تحت ظروف وسيناريوهات مختلفة وبطرق مهنية واحترافية وعلمية.
- كم كنا متفائلين بتعيينكم محافظ للبنك المركزي بعد سلسلة من الاحباطات خلفها من سبقوكم من المحافظين إلى المركزي منذ نقله إلى عدن، لقد تمنيننا من الصميم أخي المحافظ أن تضعوا وتعيدوا الأمور إلى نصابها الصحيح في أهم قطاع في أي إقتصاد في أي دولة في العالم; ألا وهو القطاع المالي وتحديدا المصرفي منه، للأسف لم يتحقق ذلك وخاب ظننا..
- القيادة Leadership أخي المحافظ المحترم وعلى مختلف اشكالها وانواعها أصبحت "علم" من العلوم تدرس وتجرب وتختبر وتصقل وتنحت على مدى فترات زمنية متفاوتة ولا تكتسب بوساطة او تعطى بقرار شخصي / مزاجي ولا بالتبؤ بمنصب وما شابه...
- لقد آن الأوان أخي الفاضل المحافظ لتتوقفوا عن عادة "التلويح بالاستقالة " والتي استخدمتموها في السابق, وما زلتم, كنوع من التغطية ودر الرماد على عدم قدرتكم وعجزكم على المضي وإنجاز ما هو مطلوب منكم، من ناحية أخرى, قد تكون رئاستكم ل "اللجنة الاقتصادية العليا " عائقا او إحدى أسباب إخفاقاتكم على مستوى مهام البنك المركزي مع أن العكس, أي كونكم على رئاسة المركزي ورئاسة اللجنة الإقتصادية, هو الوضع المناسب والكيفية المساعدة لتحقيق الحد الأدنى من النجاحات المتوقعة في "مهامكم" كمحافظ للمركزي.
- وهذا قيل, نتساءل هل ما زلتم على كرسي اللجنة الاقتصادية العليا?.
- بالله عليكم اخي الفاضل المحافظ ماذا سيضيف إنتقال المركزي إلى خارج عدن إلى أدائكم الحالي والمعروف للقاصي والداني?.
- وقبل الختام, سوف يكون درب من الشجاعة النادرة إذا أتخذتم الرحيل الآن كمحافظ للبنك المركزي بدلا عن الغد، لأن ما سيأتي سيكون (العلم عند الله) ربما أصعب مما هو في الوقت الراهن، ولأن, ايضا "فاقد الشيء لا يعطيه".
-القرار قرارك; وكما يقول الأمريكان Take it or leave it
- ختاما, ماهي "مهامكم"?
آخر كلام: رحمة الله تنزل على روح العصامي عبدالباري بازرعة.