تحقيقات وحوارات

الإثنين - 05 نوفمبر 2018 - الساعة 06:25 م بتوقيت اليمن ،،،

عدن برس / تقرير خاص

عاد الملف اليمني الى الواجهة مجدداً عقب دعوات أطلقها مسؤولون أمريكيون، مؤخراً، ولاقت تأييد كثير من الدول الكبرى لإنهاء الحرب باليمن وعودة الفرقاء اليمنيين الى طاولة الحوار السياسي لإيجاد تسوية شاملة تنهي النزاع في البلد الأفقر في المنطقة.

وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قال في بيان: "حان الآن وقت وقف الأعمال القتالية بما في ذلك الضربات باستخدام الصواريخ والطائرات المسيرة من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون على السعودية والإمارات، بعد ذلك، ينبغي أن تتوقف الضربات الجوية للتحالف في كل المناطق المأهولة باليمن".

وأضاف : "ان الولايات المتحدة تعتقد بأن المناخ مناسب للمضي قدما في محادثات السلام لإنهاء حرب اليمن، مؤكدة أنه سبق لواشنطن الدعوة إلى وقف الأعمال القتالية في اليمن لكن حان الوقت الآن لكلا الجانبين للجلوس على مائدة التفاوض".

ولحقه بعد ذلك تصريح مماثل من وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس الذي دعا الى وقف لإطلاق النار في اليمن ومشاركة جميع أطراف النزاع في مفاوضات تعقد في غضون الثلاثين يوما المقبلة، وهي الدعوات التي لاقت تأييداً وترحيباً واسعين من عدد من الدول ومنها بريطانيا وفرنسا وكندا والسويد وحتى من المجلس الخليجي ودول التحالف العربي وغيرهم.

وعلى الفور أعلن المبعوث الأممي لليمن مارتن غريفيث ترحيبه بتلك الدعوات، وقال "ما زلنا ملتزمين بجمع الأطراف اليمنية حول طاولة المفاوضات في غضون شهر، لكون الحوار هو الطريق الوحيد للوصول إلى اتفاق شامل".

ومن المتوقع أن تنطلق المشاورات في 30 نوفمبر المقبل في السويد، لكن ذلك لم يعلنه غريفيث بشكل رسمي حتى الان.

خارطة طريق جديدة

ورغم أن هناك نبرة حادة وقوية هذه المرة تدعو الى إيجاد حل للأزمة اليمنية إلا أنه لم تتحدد رؤية شاملة أو بنود واضحة حول تلك الدعوات التي أطلقت، وكل ما يثار بشأنها حتى الان لا يعدو عن كونه تسريبات إعلامية لم يؤكدها مصدر رسمي كما لم ينفيها ايضاً، إذ تتضمن بنود تلك المبادرة الجديدة وفقاً للتسريبات على خارطة طريق أمريكية أهم بنودها يتركز على وقف الحرب ونزع السلاح وتشكيل حكومة وحدة وطنية وإلغاء كافة القرارات الصادرة ما بعد سبتمبر 2014 ، وإنشاء مناطق حكم ذاتي مثل الجنوب وكذا صعدة.

يقول الكاتب والمحلل السياسي هاني مسهور على صفحته في تويتر : "خارطة الطريق الامريكية لحل الأزمة في اليمن: - وقف الحرب - حكم ذاتي للجنوب بدون حق تقرير المصير - حكم ذاتي لمحافظة صعدة مع نزع السلاح - نقل صلاحيات الرئيس لنائب توافقي - تشكيل حكومة وحدة وطنية - الغاء القرارات ما بعد سبتمبر ٢٠١٤م - استفتاء على الدستور - انتخابات برلمانية ورئاسية".

مرفوضة سلفاً

لكن تلك البنود لا تتوافق مع أهداف الحكومة الشرعية ولا حتى مع الميليشيات الحوثية الإنقلابية كونها لا تتضمن المرجعيات التي يصر كل طرف فيهما على التمسك فيها لإحداث أي توافق سياسي أو تسوية شاملة، وهو ما ينذر بفشل المشاورات القادمة كسابقاتها.

وعادة ما تُقابل مثل هذه المبادرات السياسية وخارطات الطريق بالرفض من قِبل طرفي النزاع التقليدين من حوثيين وشرعية، ويصر كل طرف فيهما متصلباً في آراءه ومواقفه، وهو الأمر الذي يبدو أنه سيكون سبباً في إفشال أي سُبل لحل الأزمة اليمنية في حال لم تتمكن الأمم المتحدة والدول الراعية للسلام باليمن إلى إيجاد سبيلاً جديداً للوصول الى حل شامل وفق المعطيات والوقائع الجديدة التي تشكلت على أرض اليمن جنوبه وشماله منذ العام 2014 وحتى اليوم.

من جانبها رحبت حكومة الشرعية بإستئناف المشاورات ومباحثات السلام، لكنها ايضاً عادت لتقول أن ترحيبها يأتي وفقاً للمرجعيات الثلاث التي تراها بأنها ملزمة لإيجاد أي حلول سياسية مستدامة، وهو الأمر الذي ترفضه الميليشيات الحوثية وتعتبره سبباً في إندلاع الحرب وسيطرتها على المدن اليمنية.

كذلك الحال ينطبق مع الحوثيين الذين رحبوا بأي دعوات لإحلال السلام لكنهم وضعوا شروطاً هي الأخرى تبدو تعجيزية بعض الشيء، حيث يصروا أولاً على وقف الضربات الجوية للتحالف العربي وإنهاء قرار 2216 وتشكيل حكومة وحدة وطنية قبل أي إنسحاب لهم من المدن أو نزع سلاحهم.

لا حل للأزمة

ولم تتم حتى الان بلورة تلك الأفكار والمطالبات الأمريكية والدعوات التي أطلقها غريفيث الى خطة عمل يمكن أن تجمع الفرقاء اليمنيين على طاولة واحدة، إذ يبدو بأن مسببات وإرهاصات فشلها تلوح بالأفق وتتعمق يوماً بعد يوم.

يقول الأكاديمي والباحث السياسي الدكتور حسين لقور على صفحته في تويتر : "لا مبادرة كيري ولا مقترحات ماتيس ستجد طريقها للتنفيذ كحل للازمة في اليمن والجنوب.. طالما مصالح هادي وعلي محسن وقادتهم العسكريين الفاسدين وتجار الحروب تسير على ما يرام .. لن يحل السلام وسيجعلون كارثتها تصل كل بيت بعد أن رتبوا أمورهم  وعائلاتهم .. اصبح إخراجهم من المشهد ضرورة للجميع".

وأضاف : "الحلول السلمية لا تفرضها القرارات الأممية ولا نتائج مؤتمرات او تمنيات سكان الفنادق بل تأتي عبر السيطرة على الأرض التي تحدد مآلات هذه الحرب .. شرعية هادي لو يستجدون العالم إلى يوم الدين لن يلتفت لهم احد بعد عجزهم عن تحرير محافظة يمنية واحدة كاملة وقد أعطى لهم العالم الفرصة كاملة".

وفي تغريدة أخرى يرى لقور : "أنه لن تنتهي الحرب قريبا وهذا ليس تمنيا وإنما قراءة واقعية طالما لم يهزم الحوثي هزيمة واضحة أو تنهار الشرعية .. ما جاء به الحوثي من أفكار متطرفة ودخيلة حتما لن تبقى طويلا ولن تصمد خصوصا الولاية وحصرها في البطنين ذلك أمر لا يمكن قبوله حتى وإن كسب معركة فإنها ليست النهاية .. حتما سيهزم".

إجتماع أمريكي مع غريفيث

وتحدثت مصادر سياسية وفقاً لوسائل إعلامية أن التطور السريع واللافت بالملف اليمني وعودته الى الواجهة مجدداً وتدخل أمريكا في هذا الملف الشائك بالشرق الأوسط، جاء عقب لقاء جمع وزير الدفاع الأمريكي ماتيس بالمبعوث الأممي غريفيث قبل نحو شهر بحثا فيه أهمية حل أزمة اليمن.

يقول هاني مسهور على صفحته في تويتر : "التطور في الملف اليمني جاء على إثر اجتماع بين وزير الدفاع الامريكي جيمس ماتيس والمبعوث الاممي الى اليمن مارتن غريفيث تجاوز الساعة الكاملة وفيه تبلورت الافكار الامريكية المدعومة من بريطانيا".

وأضاف : "صعدة وعمران محور اساسي في الافكار الامريكية فسيتم نزع السلاح الثقيلة والمتوسط منهما ونشر قوات أممية للمراقبة، ستلعب سلطنة عمان دور الوسيط وليس الولايات الامريكية او بريطانيا في اجراءات بناء الثقة ونشر القوات الدولية في المناطق العازلة والتي ستكون على امتداد حدود اليمن مع السعودية".

تفاهمات لإشراك الإنتقالي

ومع أن أزمة اليمن دخلت عامها الخامس دون تدخل مباشر من أمريكا، إلا أن محللون ومراقبون سياسيون يرون بأن هناك تفاهمات تمت مؤخراً بين التحالف العربي من جهة وبين وأمريكا وبريطانيا ودول كبرى بضرورة التدخل لإنهاء أو تسريع إغلاق الملف اليمني بما يتماشى مع أفكار المبعوث الأممي ونتائج لقاءاته السابقة بعدد من الأطراف اليمنية الفاعلة على الساحة اليمنية ومنها المجلس الإنتقالي الجنوبي، لاسيما بعد إنسداد آفق الحل سابقاً وضرورة العمل في منحى آخر مع طرف أكثر فاعلية من الطرفين التقليديين الذين يراهما الكثيرين صناع أزمات وإشعال حرائق ولهذا لن يكونا سبباً في حلها وإطفاءها مستقبلاً.

يقول الأكاديمي والباحث السياسي الدكتور فضل الربيعي في مقالة مطولة نشرها على صفحته في فيس بوك : "إن الحل السياسي بمفهومه العام يعني وجود أطراف الأزمة فاعلين أساسيين في إنهاء الحرب وتسوية الأوضاع ما بعد الحرب... ولنا هنا ان نتساءل كيف ممكن ان يتحول مشعلوا الحرائق إلى مطفئين لها (الشرعية والانقلابيين) خصوصا وان كل الشواهد اثبتت بما لا يدع مجالا للشك بان الطرفين كانوا قد وظفوا الحرب لخدمة مصالحهم الذاتية للاستحواذ على الموارد والدعم الخارجي والوظائف في مناطق سيطرتهم".

وكان وفد من المجلس الإنتقالي الجنوبي برئاسة عضو هيئة الرئاسة الدكتور ناصر الخبجي إلتقى قبل أيام بالمبعوث الأممي مارتن غريفيث في العاصمة الأردنية الهاشمية في إطار لقاءات غريفيث التشاورية مع الأطراف اليمنية للوصول الى رؤية شاملة عن الأوضاع، وإستمرت اللقاءات ليومين دون الإفصاح بشكل رسمي عن نتائجها.

الى ذلك ذكرت مصادر سياسية مطلعة أن المجلس الإنتقالي سيشارك في المشاورات القادمة، لكن طريقة المشاركة فيما اذا كان مشاركته ستنحصر كطرف مراقب أو مشارك في المشاورات لم تكشف على وجه الدقة حتى هذه اللحظة، كما لم يفصح الإنتقالي عن ذلك حتى الان أو ربما يتحفظ عن الإعلان، لاسيما وأن المشاورات السابقة في سبتمبر والتي لم يكتب لها النجاح حينها وقفت الشرعية وكذا الحوثيين ضد مشاركة الإنتقالي فيها وفقاً لما أعلنه المجلس في بيان سابق.


بناء الثقة

ويهتم غريفيث بالإلتقاء بمعظم الأطراف اليمنية سواءاً تلك الفاعلة على الأرض أو تلك التي بالخارج، حيث إلتقى يوم الأحد مجموعة من الشخصيات اليمنية المستقلة التي تمثل طيفاً واسعاً من المجتمع اليمني في الأردن، فيما يسعى للقاء الكثير من القيادات والمسؤولين اليمنيين "شماليين وجنوبيين" خلال الأيام القادمة، لبلورة كافة الأفكار التي يعتقد بأنها ستطرح على طاولة المفاوضات في حال كتب لها النجاح لعقدها.

كما يهتم غريفيث قبل أي شي بإجراءات بناء الثقة بين الطرفين التقليدين من خلال عدد من القضايا التي يجب تنفيذها قبل الجلوس على طاولة المشاورات، مثل إطلاق السجناء وفتح مطار صنعاء وتعزيز البنك المركزي اليمني وهدنة جديدة في الجبهات.

ولم تتضح الكثير من الأمور حول تفاصيل تلك الخطة أو الإجراءات التي يراد تطبيقها قبل حلول الثلاثين من نوفمبر الجاري، لكن بالمجمل فإن الوقائع على الأرض وما رافقها من ردود وتعليقات طرفي الأزمة لا يبدو محفزاً لنجاح المشاورات القادمة التي يرجح كثيرين بأنها ستكون كسابقاتها مجرد تضييع للوقت وتسجيل موقف يحسب للمبعوث الأممي وبعض الدول.

وكان مجلس التعاون الخليجي أكد دعمه الكامل لجهود المبعوث الأممي مارتن غريفيث وإستئناف المشاورات اليمنية، آملاً أن يكون الزخم الحالي سبباً في إنهاء الصراع باليمن وجلوس الفرقاء على طاولة المفاوضات، وكذلك الحال مع دول التحالف العربي الذين ابدوا ترحيباً واسعاً بجهود السلام التي ترعاها الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص لليمن.

الحديدة

وكانت معركة تحرير الحديدة إنطلقت مجدداً قبل يومين، تمكنت خلالها ألوية العمالقة من تحرير أجزاء واسعة من المحافظة وتعمقت فيها كثيراً وصولاً الى كلية الهندسة ودوار يمن موبايل والشحاري ومطاحن وصوامع البحر الأحمر ومدينة الصالح مع إستمرار العمليات صوب ميناء المحافظة الإستراتيجي.

وحمل المتحدث باسم التحالف العقيد ركن تركي المالكي، النظام الإيراني، مسؤولية استمرار الحرب جراء دعم الميليشيات الحوثية بالقدرات الباليستية والزوارق السريعة والطائرات دون طيار، مرحّباً بالدعوات التي أطلقت أخيراً بإنهاء الحرب والجلوس على طاولة الحوار السياسي بين الأطراف اليمنية بناء على المرجعيات الثلاث المتفق عليها، مشيراً إلى أن العمليات العسكرية المتزامنة في مختلف المحاور هي للضغط على الميليشيات للقبول بالحل السياسي للأزمة اليمنية.

ولا يعول كثيراً بما يمكن تحقيقه في جولة مشاورات جديدة لا تختلف في جوهرها عن سابقاتها، كما لا تختلف في أطرافها الذين يراهما الكثيرين بأنهما لن ينصاعا ولن يحتكما الى صوت العقل والمنطق طالما وأن إستمرار الحرب يمثل لهما مصدر دخل كبير، فضلاً عن تجردهما من الإستقلالية في قرار وقف الحرب من عدمه، بالإضافة الى أسباب أخرى كانت سبباً في إندلاع الحرب وبالتأكيد لن تكون ذاتها بأي حال من الأحوال سبيلاً للحل.