الخميس - 27 ديسمبر 2018 - الساعة 06:54 م
< تقوم البنوك المركزية في كل دول العالم، شرقه وغربه ب 5 - 6 وظائف أساسية هي واحدة في تسمياتها ومحتوياتها وأهدافها بغض النظر عن مستويات هذه الدول الإقتصادية (متقدمة، ناشئة، نامية أو متأخرة). المهام هي واحدة برغم اختلاف حجم وجغرافيا هذه الأقطار. مثلا، المركزي يعتبر "بنك الدولة" في زيمبابوي وهو كذلك في إيران وكندا إلخ.
< ولا تتوقف القواسم المشتركة بين البنوك المركزية في الوظائف والمهام فحسب، بل تستمر في تصنيف وترتيب أولويات هذه المسؤوليات. ولعل أهم وظيفة للمركزي، في أي دولة، هي في "الحفاظ ودعم ومتابعة ومراقبة وتوجيه القطاع المصرفي كونه الشريان للحركة الإقتصادية". وأهم متطلب لنجاح وبقاء واستمرارية عمل هذا القطاع الإقتصادي الإستراتيجي هو توفر السيولة الكافية والمناسبة التي تمكنه من تشغيل عملياته المختلفة والتي على رأسها تحفيز النمو الاقتصادي بشكل عام والمساهمة والنهوض بمشاريع إستثمار القطاع الخاص وتقديم خدماته المتعددة لعملائه بشكل خاص.
< ولكن واقع البنوك الوطنية هو عكس ذلك إلى درجة كبيرة. فهي تعاني من حالة جفاف حاد ومزمن في السيولة أضعفت وأفقدتها ثقة زبائنها وعملائها المودعين. أعراض وتشخيص هذه الحالة لها إرتباط مباشر بالبنك المركزي وتوجز في الآتي:
- دين حكومي (آذون الخزانة) ضخم ومستفحل بالعملة المحلية قائم ومستمر "يشفط" بشراهة بربرية أي وفرة للسيولة تتجمع / تتكون في القطاع البنكي.
- قرار حكر وحصر عمليات "الإستيراد" للمواد الأساسية (الالية- The Modus Operandi ) عن طريق المركزي فقط، وذلك بإستخدام الوديعة السعودية. وقد نتج عن ذلك توقف هذا النشاط الحيوي في البنوك والذي كان يضمن مستوى "تدفق" مستدام ومقبول من السيولة "تغذيها" معاملات التجار وأنشطتهم المتعددة. كما أدى هذا "الإحتكار السياسي" إلى خسارة البنوك لإيرادتها التقليدية الأخرى (عمولات ورسوم وفوائد إلخ).
- تم تحديد "الريال اليمني" كعملة ترفق مع طلبات فتح "الإستيراد" للمواد الأساسية بموجب "الآلية" (برغم أن عملة هذه الاعتمادات هي بالدولار الأمريكي). كما ولا بد لكل طلب إستيراد، صغيراً كان أم كبيراً، أن تورد كامل قيمته، بالريال، إلى البنك المركزي توجه لشراء وتمويل إعتمادات الإستيراد بسعر صرف مدعوم للريال مقابل الدولار الأمريكي هو أقل من سعر صرف السوق الموازية؛ وهذا يعني سحب الريالات من الجهاز المصرفي بصفة مستمرة ودورية (لأجل الإلتزام بشروط آلية الإستيراد) من قِبل التجار (حساباتهم بالبنوك) وإيداعها بالمركزي. وفي حال استمر هذا النمط لفترة فإنه سيأتي على الرمق الأخير في "موقف ومستوى السيولة" في الجهاز المصرفي عامة. كما ربما تصل الأمور إلى ما لا يُحمد عقباها تضر بحقوق ومصالح أصحاب ومساهمي حقوق الملكية في هذه المؤسسات المالية، ناهيك عن التأثير المباشر الذي سينعكس على مستوى العاملين كون القطاع المصرفي يوظف نسبة لا يُستهان بها من القوى البشرية الوطنية.
< المركزي للاسف يتبجح بما وصل إليه من نجاحات وخاصة فيما يخص "طبع تريلونات النقود !!" وبنائه وخزنه إحتياطيات ضخمة من الريالات. وكذا النجاح في التحكم بالدورة النقدية، وتشغيل نظام السويفت إلخ... مواضيع سئمنا من كثرة قراءتها أو سماعها... ناهيك عن الإدعاء عن نجاح المركزي في موضوع إستقرار سعر صرف الريال اليمني مقابل الدولار..
ولكن هل قرأنا أو سمعنا في أي من تعاميم المركزي الاعلامية والدورية واللقاءات الصحفية أي إشارة / تصويب بحال القطاع المصرفي والمعالجات والسياسات التي وضعت وأعدت، من قِبل المركزي، لإعادة دوره في الإقتصاد الوطني!!؟؟؟
< لماذا لا يستخدم المركزي عمليات السوق المفتوح ب"إعادة شراء" بعض من أصول البنوك (اذون الخزانة) وحقن / ضخ السيولة الناتجة عنها في القطاع المصرفي. كما يمكن أن يسمح للبنوك بأن تحتفظ بكامل أرصدة السيولة المرتبطة بطلبات زبائنها تحت "آلية" الاستيراد، و/أو بمستوى من السيولة تكون نسبة عملية من إجمالي الطلبات. وبهذا لا تتباطئ الحركة البنكية وتكون الوسيلة الأمثل التي تساعد هذا القطاع على الوقوف على أرضية صلبة وإحياء دوره الإقتصادي والخدماتي والحيوي، وبدون زعزعة أهداف المركزي المتعلقة ب"الإحتواء والتحكم" بالدورة النقدية والعرض النقدي".
< بدون بنوك لن تتطبع الأمور المالية والتجارية ....