الجمعة - 01 مايو 2020 - الساعة 08:08 م
*«مساهمة واجبة في البحث عن الحلول والمخارج الممكنة بشأن العودة لإتفاق الرياض»*
سأحاول هنا وبإيجاز تأطير الحديث عن ذلك وتحديداً لجهة العلاقة مع التحالف والمجتمع الدولي في النقاط التالية :—
( ١ ) مما لاشك فيه بأن قرار الإنتقالي بشأن الإدارة الذاتية للجنوب قد عمق الخلافات داخل أجنحة الشرعية ووسع من دائرة التهم والشكوك المتبادلة فيما بينها وفي أكثر الملفات سخونة وأهمها الموقف من الجنوب والتحشيد ضده والتخريب فيه ؛ وملف التعيينات والترقيات والأموال ونسب وطرق الحصول عليها وما يسود ذلك من فساد مهول ؛ ويعود مرد ذلك للخوف من تسارع الأحداث نحو الإيقاف الشامل للحرب وقرب التسوية الشاملة ؛ حتى وأن بدت متحدة في مواجهة الإنتقالي ؛ وخصوصاً في الجبهة الإعلامية التي تعتبر بالنسبة لها الحرب الرئيسية التي تغطي فشلها في ميادين الحرب الحقيقية وإدارة المناطق المحررة في الجنوب منذ أكثر من خمس سنوات.
( ٢ ) أما المملكة العربية السعودية فقد نظرت لقرار الإنتقالي من زاويتين رئيسيتين على الأقل وهما:
*الأولى* — فقد أعتبرت ذلك ورقة ضغط مناسبة وفي وقتها المناسب على ضيوفها لتماديهم كثيراً في عدم تطبيق الإتفاق ولفترة طويلة وبمبررات لم تكن مقنعة تماماً لها؛ وأعتبرت ذلك إمتداداً لموقفهم الرافض للحوار منذ البداية مع الإنتقالي ؛ ومن ثم المماطلة والتهرب من التوقيع عليه والقبول بذلك فقط تحت الضغط من قبلها ؛ ومع ذلك وكما يبدو فهمت بأن توقيعهم عليه كان تجنباً لعدم إغضابها فقط ؛ وأصروا على عدم التنفيذ فيما بعد كما توافقت على ذلك أجنحة الشرعية وبضغط من حزب الإصلاح وجنراله الأحمر.
*والثانية* — فقد أعتبرته نوع من التحدي الصارخ لها ؛ وهو أمر لم تألفه من قبل ولم يجرؤ عليه أو يمارسه أي طرف معها في الحالات المشابهة عربياً ؛ والتي كان للمملكة تجربة كبيرة وممتدة في رعاية مثل هكذا حوارات وإتفاقيات متعددة الأطراف.
وهو ما أعتبرته أيضاً إحراجاً لموقفها المؤيد للشرعية التي تتحاشى إغضابها ولأسباب كثيرة ولعل أهمها ما يتعلق بمنحها ( شرعية ) التدخل في اليمن وبحجة إنقاذه من المشروع الإيراني ؛ ناهيك عن إعتبارها ولو ضمنياً بأن قرار الإنتقالي قد جاء بإيعاز من الإمارات ؛ وتعبيراً عن موقفه المنحاز بالمطلق لأجندتها الخاصة ؛ التي تتقاطع مع أجندة المملكة وفي أكثر من ملف ؛ حتى وإن لم تعبر عن ذلك صراحة ولأسباب ودواعي كثيرة تخص السعودية وحدها ؛ وفي مقدمة ذلك حاجتها للحفاظ على بقاء تحالفها مع الإمارات رغم كل شيء ؛ في ظل ما تعانيه من مشكلات حقيقية داخلية وخارجية ؛ أكانت سياسية أم إقتصادية أو إجتماعية ؛ وهي الأصعب على الإطلاق في تاريخ المملكة ؛ بعد إنخفاض أسعار النفط وتداعيات كورونا وما قبلها من إستنزاف لخزينتها بسبب الحرب التي تشنها في اليمن منذ أكثر من خمس سنوات ؛ ولكرمها الحاتمي أيضا مع ضيوفها وتجار الحرب وجنرالاتها ( الحمر ) وشيوخ القبائل وزعماء حزب الإصلاح الإخونجي.
( ٣ ) دفع بيان المجلس الإنتقالي الجنوبي وقراره بشأن الإدارة الذاتية للجنوب كل الأطراف الإقليمية والدولية بما فيها مجلس الأمن ؛ إلى التحرك والتفاعل السريع وغير المسبوق مع خطوته هذه ؛ وتحت عنوان عريض وبصوت واحد : العودة إلى إتفاق الرياض وضرورة الإلتزام به وتتفيذه سريعاً ؛ وإذا ما تمعنا جيداً في هذا الأمر ومن كل الزوايا والأبعاد ؛ فسنجد في ذلك تعبيراً عن ما أستطاع الإنتقالي فعله وبجدارة لجهة الدعوة لتنفيذ بنود الإتفاق وببيان واحد ؛ وهو ما لم يستطع فعله خلال ستة أشهر من الدعوات المتكررة والصبر والمناشدة لكل الأطراف بضرورة الضغط على حكومة هادي الرئيس الشرعي لليمن ؛ للإلتزام بما كانت قد وقعت عليه ولكن دون جدوى !
وبالتالي فإن الدعوة بالعودة لإتفاق الرياض هي موجهة بالأساس للشرعية أكثر من كونها موجهة للإنتقالي الذي أجبرته كل الظروف على إتخاذ مثل الخطوة التي بررها ببيانه.
( ٤ ) غير أن الأمر رغم كل ذلك ( إيجابياً ) يتطلب قراءة سياسية معمقة من جانب الإنتقالي ومن كل الزوايا داخلياً وخارجياً ؛ فهذا الإجماع الذي يؤكد على ضرورة وأهمية العودة إلى تنفيذ إتفاق الرياض لم يأتي عبثاً أو من فراغ ؛ فلربما كان قرار الإنتقالي قد تقاطع مع خطط موضوعه تتعلق بعملية إيقاف الحرب والذهاب للتسوية السياسية ومتفق عليها من قبل أطراف دولية وإقليمية وتنتظر فقط الوصول لصيغة نهائية يتفق عليها ؛ ومن ثم طرحها لاحقاً وربما قريباً على الأطراف اليمنية المختلفة ؛ ولذلك لابد من التفاعل والتعاطي المسؤول مع هذه الدعوات وبروح منفتحة وعلى قاعدة الأخذ والعطاء في الحوار وبما يحقق للجنوب أهدافه ويحمي مصالحه.
( ٥ ) وبالنظر إلى تمسك الإنتقالي بإتفاق الرياض وعدم رفضه رغم خطوته الأخيرة التي حركت المياه الراكدة وبقوة ؛ فإن عليه التفكير جيداً بالعودة إلى إتفاق الرياض مجدداً في إطار تحديد من الذي يتحمل مسؤولية العرقلة وأوصل الأمور إلى ما وصلت إليه ؛ وأن يضمن قبل ذلك تحقيق ما ورد في نقاط بيانه وبشكل عملي ملموس على الأرض ؛ مع إشتراطه المسبق بإدراج قرار الإدارة الذاتية المتخذ من جانبه ضمن الحوارات القادمة وأن يكون بنداً مضافاً إلى بنود إتفاق الرياض الموقع عليه من قبل الحكومة والإنتقالي ؛ على أن يخضع ذلك للنقاش من كلا الطرفين بغية الوصول إلى التفاهم والتوافق على ذلك وأن يكون جزءاً مكملاً وأصيلاً من إتفاق الرياض.