كتابات وآراء


الأحد - 03 يوليه 2022 - الساعة 08:15 م

كُتب بواسطة : د. أحمد علي عبداللاه - ارشيف الكاتب


بالرغم من أن الدوائر الداخلية والخارجية تدرك تماماً من يقف خلف الإرهاب في الجنوب ويموله وينظمه ويخطط له ويوظفه إلا انهم جميعا يعتبرون الأعمال الإرهابية جزء من الصراعات السياسية والعسكرية الداخلية كما يدركون بأن أهم أهداف الإرهاب في الجنوب ليس إقامة دولة الخلافة كما تروج له شعارات التنظيمات المتطرفة وإنما له وظيفة رئيسة وهي كسر القدرات العسكرية والأمنية الجنوبية أولاً.

لا يمكن إذن وضع العمليات الإرهابية في سياق خارج أهداف جماعة الإخوان في الجنوب وهي ذات الأهداف التي جمعتهم وتجمعهم مع حكام صنعاء الأولين والآخرين والقادمين، وجميعهم يعتبرون الحفاظ على الجنوب جزءاً تابعاً ل"دولة الوحدة" أمراً يسبق أي صراعات داخلية. أي أن عمليات تنظيم القاعدة بمسمياته المختلفة في الجنوب وسيلة وأداة موجهة للحفاظ على مشروع "الوحدة أو الموت"، وهذا الشعار لا يعني أكثر من أن يظل الجنوب تابعاً أو تموت قواه الحية.

ظلت الطائرات المسيرة تحلق في سماوات مناطق جنوبية وجوارها لتصطاد بين حين وآخر قيادي هنا أو هناك مع ان الاستخبارات العالمية والإقليمية تدرك أين العلة ومن الممول، ومع ذلك لا تذهب لمعالجة الأمر من جذوره وإنما لتقييد قدرات التنظيم بحيث لا تتجاوز حدود الجنوب. كما أن استخبارات المملكة، التي دعمت واحتضنت رموز تنظيم إخوان اليمن وساهمت في تمكين عناصره من احتواء الرئيس السابق ودوائر السلطة العسكرية والأمنية والبيروقراطية، تفهم أصل الحكاية منذ عقود.

الأطراف الخارجية جميعها تحمي مصالحها فقط ولا تسعى إلى المواجهة الحاسمة مع التنظيمات الإرهابية.

أما الأطراف اليمنية الداخلية فهي إما داعمة بصورة مباشرة للإرهاب أو غير مباشرة، ومنها من يغض الطرف طالما وهو يخدم جزء من أهدافهم السياسية.

الجنوب يقف وحيداً، لا أخوة له ولا أصدقاء، في المواجهات الحاسمة للإرهاب وحماية عاصمته ومناطقه ومواطنيه وتحمل تبعاته ويدفع لأجل ذلك ثمن باهظ.

ومما يؤسف له ان البعض داخل الجنوب يرددون ما يصوغه خصوم قضيته الذين يحاولون في كل مرة توفير غطاء للعمليات الإرهابية بوسائل مختلفة ومحاولة حرف أنظار الجميع عن الجهة المنفذة وخطورة الإرهاب ذاته ليصبح الحديث في كل مرة حول ضرورة إزاحة الوحدات الأمنية والعسكرية الجنوبية. وبغض النظر عن قدراتها وأدائها وقوتها أو ضعفها إلا أنهم يدركون أن بقاءها يشكل خطر على طموحاتهم في السيطرة على الجنوب مرة أخرى.

تعيش عدن وضع مركب ومعقد فيه الكثير من المفارقات الكبرى، حيث تبدو وكأنها عواصم في عاصمة: فهي عاصمة الشرعية الانتقالية وعاصمة الجنوب وقضيته وحراكه ومنظومته السياسية والعسكرية وعاصمة الأحزاب والكتل والمجالس والمنظمات.. عاصمة الجميع دون استثناء على اختلاف مشاريعهم وانتماءاتهم السياسية والايديولوجية ووظائفهم وأعمالهم ونشاطاتهم الحرة وغير الحرة.. وهي عاصمة الخلايا التي تنمو تحت الأرض والإعلام الحر الذي يثير (بعضه) كثير من الفتن ويوفر شِباك الاصطياد لذوي المهارات الشعبوية الرائجة التي تملأ فضاءات التواصل الاجتماعي بركامها القبيح. عدن مفتوحة أمام الجميع وهي مأوى للنازحين وللباحثين عن أي شيء وعن كل شيء في زمن الحرب الرهيبة. وفي المقابل لا شيء على الإطلاق يؤهلها أن تلعب كل تلك الأدوار.

أي أن حصة عدن من مآسي الحرب كبيرة وعلى أهلها أن يتحملوا الجزء الأكبر من تداعياتها وفي المقابل لا صدى لمن استغاث ولا وقْع لمن "أغاث".

هناك من يعمل على ان تظل عدن صامتة في مواجهة كل ما تفرزه الحرب من سوء ويراد لها أن تعيش على مفترق: أن تظل محطة عبور تابعة أو تتحول إلى كوكتيل مولوتوف قابل للانفجار.