الجمعة - 20 ديسمبر 2024 - الساعة 10:07 م
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن خارطة الطريق لحل الأزمة اليمنية وعن التفاوض والحل التفاوضي، وفي الجنوب يولع السياسيون بالحديث عن "الإطار التفاوضي"، لكن كل الذين يتحدثون عن كل هذه الصيغ المختلفة لم يقولوا للمتابعين ما هو المقصود بكل هذه الحزمة من العبارات والتعبيرات الهلامية المتشابهة ومتعددة المعاني.
هناك مشكلتان في اليمن يصر كل المتصدرين للمشهد الإعلامي وقبله المشهد السياسي على دمجهما في قضية واحدة، وأعني هنا القضية الجنوبية بأبعادها السياسية والوطنية والثقافية والتاريخية، وقضية صراع الشرعية - الانقلاب، ومحاولة الدمج هذه تمثل في الغالب إما خدعةً أو بدعةً.
فالخدعة يقصد بها استغفال الطرف الجنوبي، ومعه الشعب الجنوبي، وتصوير القضية الجنوبية على إنها جزء من الصراع بين الشرعية والانقلابيين (الحوثيين) بالتالي فلا حل للقضية الجنوبية إلا بعد عودة الشرعية إلى صنعاء بعد أن تكون قد سوت خلافها مع الانقلابيين.
وهي بدعة لأنها تحاول دمج مشكلتين مختلفتي الجذور والخلفيات والتركيبة والأهداف والوسائل في تركيبة واحدة كتركيبة "السمك واللبن التمر الهندي" كما يقول العامة.
في حوار صنعاء كانوا يقولون: لا حل للأزمة اليمنية إلا بحل القضية الجنوبية، وهي مجاملة لطيفة أُريد بها بعث رسالة طمأنة للجنوبيين كما يفعل اللصوص حينما يتصدى لهم الضحية ويخشون مواجهته، فيلجأون إلى إيهامه أن السريقة محفوظة لكن المطلوب مهلة زمنية حتى تعود لأصحابها، لكن المنطق يقول، لو كان اللص صادقاً في إعادة المسروقات لما سرقها أصلاً.
واليوم يقولون لنا : ستُحَل القضية الجنوبية بعد حسم الصراع مع الانقلابيبن، وهي كذبة مكشوفة لأن القائلين بها (اي بالكذبة إياها) هم أنفسهم من صنعها وتسبب في استفحالها وإعاقة حلها، ولو كانوا ينوون حلها الودي فعلاً لأقدوا على ذلك حينما كان الحل الودي ممكنا وفي متناول أيديهم، أما اليوم فقد صار الحل الودي ينحصر في رحيلهم من الجنوب بلا مواجهة مسلحة، وتفرغهم لتحرير أرضهم، بالسلم أو بالحرب كما يقول صديقي الزميل محمد الغيثي رئيس هيئة التشاور والمصالحة، (ولنا حديث لاحق حول أكذوبة التشاور والمصالحة).
ليس أمام الجنوبيين وقيادتهم السياسية سوى أحد مخرجين:
1. إما الاتفاق على صيغة الحل سلفاً مع شركائهم في الشرعية وأعني هنا الشركاء من الأشقاء الشماليين الذين يتحكمون في الجنوب وأهله، ولا يقدمون شيئا لأهلنا في الشمال.
وفي هذه الحالة سيكون للشراكة الجنوبية-الشمالية في سلطة الشرعية معنى وقيمة وأفق مستقبلي.
٢. وإما فض الشراكة بين الجنوب والشرعية (الشمالية) وتهيئة الأرضية السياسية والاجتماعية والجماهيرية والعسكرية للانتقال إلى مرحلة فرض الحل الذي يتطلع إليه الشعب الجنوبي، من خلال تفاوض ثنائية (جنوبي - شمالي) يفضي إلى العودة إلى حلّ الدولتين الجارتين الشقيقتين المتعاونتين والمتشاركتين وفقا لحدود 21 مايو 1994م، وأعتقد أن على الإخوة الشماليين أن يعلموا أن هذا الحل ليس في مصلحة الجنوب والجنوبيين وحدهم، بل هو خدمة لمصالح الجنوبيين والشماليين على السواء، لأن دولتين جارتين شقيقتين متعايشتين بلا حروب ولا نزاعات أفضل ألف مرة من دولة واحدة تقوم على الإكراه رغماً عن إرادة الناس، تتناوشها الحروب النزاعات والعداوات والبغضاء والكراهية التي لا تفضي إلا إلى مزيد من التفتت والتمزق والدمار
وأخير:
إن الحديث عن "الإطار التفاوضي" الخاص بالقضية الجنوبية، وخوض المعارك الكلامية حوله إنما يمثل نوعاً من التوهان، أو التتويه عن جوهر القضية ومضمونها وعدالتها، والتنازع على الهوامش التي لا تعني شيئا دون الاتفاق المسبق على مضمون الحل وضمانات نجاحه، وقد قلت مرارا، إن من وضع فكرة "الإطار التفاوضي" إنما كان يعلم أنه يضع فخَّاً للجنوبيين يستدرجهم إليه كما يستدرج الصياد فريسه تمهيداً للانقضاض عليها والاستمتاع بلحمها.
والله من وراء القصد.